الـــتـــعـــقـــيـــب الـــمـــفـــيـــد
عــلــى
مـــن أجـــاز إطــــلاق فــــلان شــــهـــيـــد
بـــســـم الـــلـــه الـــرحـــمــــن الـــرحــــيــــم
قال الشيخ عبد الحميد الجهني-حفظه الله-:
فقد أطلعني الأخ /شاكر زكريا على بحث مؤلف من ورقات ذهب فيه كاتبه إلى جواز إطلاق كلمة شهيد على معين لم يأت في النص تعيينه.
فألفيته بحثاً سقيماً مليئاً بالأغلاط والمجازفات والفهم السقيم للنصوص وكلام العلماء. ولو ذهبت أبين ذلك وأتتبعه لطال الكلام ولكن سوف أشير إلى مواضع تنبىء عما وراءها، فمن ذلك :
وأقول : من أخبر الكاتب أن العلماء ردوا تبويب البخاري ؟
وأظنه يعنى الحافظ ابن حجر كما ذكره الكاتب في موضع آخر ، والواقع أن الحافظ لم يقيد إطلاقاً كما توهمه كاتب البحث بل بين المراد من كلام البخاري وشرحه شرحاً مفيداً وسوف أنقله للقراء بتمامه ليأخذوا العلم عن أهله.
قال الحافظ : قَوْله : ( بَابُ لا يُقَالُ فُلَانُ شَهِيدٌ )
أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ إِلا إِنْ كَانَ بِالْوَحْي وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ " تَقُولُونَ فِي مَغَازِيكُمْ فُلانٌ شَهِيدٌ وَمَاتَ فَلانٌ شَهِيدًا وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَوْقَرَ رَاحِلَتَهُ أَلا لا تقولوا ذَلِكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ " وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَيِّدُ بْنُ مَنْصُور وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَسُكُون الْجِيمِ ثُمَّ فَاءَ عَنْ عُمَرَ وَلَهُ شَاهِدٌ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم مِنْ طَرِيقِ عَبْد اللَّه بْن الصَّلْتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ ؟ قَالُوا : مَنْ أَصَابَهُ السِّلاحُ قَالَ : كَمْ مَنْ أَصَابَهُ السِّلاحُ وَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلا حَمِيدَ وَكَمْ مَنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ حَتْف أَنِفَهُ عِنْدَ اللَّهِ صَدِّيقٌ وَشَهِيدٌ " وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَر فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْد اللَّه بْن خُبَيْقٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ مُصَغَّر عَنْ يُوسُف بْن أَسْبَاطٍ الزَّاهِدِ الْمَشْهُور وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد النَّهْي عَنْ تَعْيِينِ وَصْفٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ شَهِيد بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ . الفتح ( 7/175ـ 176 )
فتأمل فى هذا التحقيق وخذ به كله لتنتفع به يا طالب العلم وليس كما يقول كاتب البحث : خذ من الحافظ فهمه ودع مذهبه ! فهل هذا أسلوب تكتب به البحوث العلمية وتدرس به المسائل الشرعية ؟
ثم هل الحافظ ابن حجر وهو العمدة في الحديث النبوي والذي يضرب المثل بذكائه وحفظه ودقة فهمه ، يكون غبياً إلى هذه الدرجة حيث يفهم من الكلام شيئاً ثم يذهب إلى شيء آخر؟
فما هذا الانفصام في الشخصية عند الحافظ ابن حجر حيث يخالف فهمه مذهبه ومذهبه فهمه؟
وكل هذه الإساءة إلى الحافظ ابن حجر مبنية على سوء الفهم لكلامه رحمه الله . وأقول إن شخصاً لا يحسن فهم كلام العلماء ولا يفهم تصرفاتهم ولا يفرق بين تقييد المطلق وبيان المراد كيف يجيز لنفسه الخوض في مسائل الشرع أم أنها الفوضى التي نعيشها هذه الأيام اللهم عذراً إليك !
3 ـ كثرة أغلاطه في شرحه الحديث النبوي وسوء فهمه في توجيهه ! فعلى سبيل المثال : الحديث الذي فيه قول الصحابة : فلان شهيد فلان شهيد ، ثم مروا على رجل فقالوا : فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلا إني رأيته في النار .... إلى أخره ) ذهب صاحب البحث إلى أن قول الصحابة : فلان شهيد ، فلان شهيد ، دليل على جواز إطلاق هذه الكلمة على الشخص المقتول في المعركة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة عليها وإنما أنكرها عليهم حينما أطلقوها على قتيل لا يستحقها.
فيقال لهذا الكاتب الذي يستدل بالأحاديث في غير موضعها .
لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً بين ظهرانينا وسمعنا نقول فلان شهيد وسكت عنا لقلنا : هذا دليل على أن الرجل شهيد حقاً . إذ لو كان من غير الشهداء لبين لنا كما بين للصحابة أما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أحد يعلم الشهيد من غير الشهيد فلزم الكف عن هذه الكلمة كما أمر به عمر بن الخطاب وفهمه العلماء الإمام البخاري وغيره .
ولكن ما الحيلة فيك وأنت تتماحك في رد كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتتعالم في رد كلام البخاري والله المستعان.
وعلى كل حال فإن الكلام في بيان الأباطيل التي اشتمل عليها البحث المذكور يطول وليس عندي من الوقت ما يكفي للتتبع والتنبيه ولعل فيما ذكرت كفاية للمنصف وبلاغاً لطالب الحق.
والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم .
وفى الختام : أنبه إلى أن القيل والقال والتعقيب والتشغيب شيىء سهل يحسنه كل أحد فلا أعدم ـ والحالة هذه ـ من معقب على كلامي ومشغب ! غير أن العبرة بالعلم المحقق والنقل الموثق والفهم الموفق وليس بالهذرمة وتشبع الانسان بمالم يعطه . ولهذا فإن باب البحث في هذه المسألة عندي مغلق لظنى أن هذا الكاتب وأمثاله ممن نصر كلامه ليس عندهم ما يستحق المناقشة .
ونصيحتى لهم للمرة الثانية ان يتريثوا قبل أن ينشروا فإن القول على الله بغير علم أخطر وأعظم من الشرك كما هو معلوم. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
وكتبه
أبو مالك عبد الحميد بن خليوي الجهني
ليلة الاثنين 2/7/1428 هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق