الثلاثاء، سبتمبر 16، 2014






الــحــكــم بــغــيــر مــا أنــزل الـــلّـــه

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،
أما بعد:

هذا تفصيل ماتع في مسألة (الحكم بغير ما أنزل الله) للشيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله- وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية.

قال حفظه الله:
هذه المسألة-الحكم بغير شرع الله- من المسائل التي يقع فيها خلط كثير خاصة عند الشباب، وذلك في هذه البلاد-أي السعودية- وفي غيرها، وهي من أسباب تفرق المسلمين لأن نظر الناس فيها لم يكن واحدا، والواجب أن يتحرى طالب العلم مادلت عليه الأدلة وما بيَّن العلماء من معاني تلك الأدلة وما فقهوه من أصول الشرع والتوحيد، وما بينوه في تلك المسائل، ومن أوجه الخلط في ذلك أنهم جعلوا المسألة- الحكم والتحاكم- واحدة، أي جعلوها صورة واحدة، وهي متعددة الصور.
فمن صورها أن يكون هناك تشريع لتقنين مستقل يضاهي به حكم الله جل وعلا، يعني قانون مستقل يُشرَّع؛ فهذا التقنين من حيث وضعه كفر، والواضع له-أي المشرع- وجاعل هذا التشريع منسوبا إليه وهو الذي حكم بهذه الأحكام هذا المشرع كافر وكفره ظاهر، لأنه جعل نفسه طاغوتا فدعى الناس إلى عبادته وهو راض-يعني عبادة الطاعة-.

هناك من يحكم بهذا التقنين هذه الحالة الثانية، فالمشرع حالة، ومن يحكم بذلك التشريع حالة، ومن يتحاكم إليه حالة، ومن يجعله في بلده من جهة الدول فهذه حالة رابعة.
-المشرع ومن أطاعه في جعل الحلال حراما والحرام حلالا، ومناقضة شرع الله، هذا كافر ومن أطاعه في ذلك فقد اتخذه ربا من دون الله.

-الحاكم بذلك التشريع فيه تفصيل:
1-فإن حكم مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك ولم يكن ذلك ديدنا له وهو يعلم أنه عاص-أي من جهة القاضي الذي حكم-وحكم بغير ما أنزل الله، هذا له حكم أمثاله من أهل الذنوب ولا يكفر حتى يستحل، ولهذا تجد أن بعض أهل العلم يقولون:’’ الحكم بغير شرع الله لا يكفر به إلا إذا استحل’’، وهذا صحيح ولكن لا تُنزَّل هذه الحالة على حالة التقنين والتشريع.
فالحاكم كما قال ابن عباس ’’كفر دون كفر ليس الذي يذهبون إليه’’، يعني من حكم في مسألة أو مسألتين بهواه بغير شرع الله وهو يعلم أنه عاص ولم يستحل فهذا كفر دون كفر.
أما الحاكم الذي لا يحكم بشرع الله بتاتا ويحكم دائما ويلزم الناس بغير شرع الله فهذا من أهل العلم من قال يكفر مطلقا، ككفر الذي سن القانون، لأن الله عز وجل يقول { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}، فجعل الذي يحكم بغير شرع الله مطلقا جعله طاغوتا وقال { وقد أمروا أن يكفروا به}.

ومن أهل العلم من قال حتى هذا النوع لا يكفر، حتى يستحل لأنه قد يفعل ذلك وفي نفسه عاصي، فله حكم أمثاله من المدمنين على المعصية الذين لم يتوبوا منها.
القول الأول ان الذي يحكم دائما بغير شرع الله، ويلزم الناس بغير شرع الله أنه كافر هو الصحيح وهو قول الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله-، لأنه لا يصدر في الواقع من قلب كفر بالطاغوت، بل لا يصدر إلا ممن عظم القانون وعظم الحكم بالقانون.

-الحالة الثالثة وهي حالة المتحاكم، يعني الذي يذهب هو وخصمه ويتحاكمون إلى قانون فهذا فيه تفصيل أيضا.
1-إن كان يريد التحاكم، له رغبة في ذلك ويرى الحكم بذلك سائغ، وهو يريد أن يتحاكم إلى الطاغوت ولا يكره ذلك؛ فهذا كافر أيضا، لأنه داخل في هذه الآية{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} ولا يجتمع إرادة التحاكم إلى الطاغوت مع الإيمان كما قال بذلك العلماء.
2-أنه لا يريد التحاكم ولكنه حاكم، إما بإجباره على ذلك كما يحصل في البلاد الأخرى، أنه يجبر ويحضر مع خصمه إلى قاض يحكم بالقانون، أو علم أن الحق له في الشرع فرفع الأمر إلى القاضي في القانون لعلمه أنه يوافق حكم الشرع، فهذا الذي رفع أمره بالدعوى على خصمه إلى قاض قانوني لعلمه أن الشرع يعطيه حقه، وأن القانون وافق الشرع في ذلك، فهذا الأصح أيضا أنه جاهل، وبعض أهل العلم يقولون يتركه ولو كان الحق له، والله عز وجل وصف المنافقين{وإن يكن لهم الحق يأتوا إليك مذعنين} فالذي يرى الحق ثبت له بالشرع وما أجاز لنفسه أن يترافع إلى غير الشرع إلا لأنه يأتيه ما جعله الله - جل وعلا - له مشروعا ، فهذا لا يدخل في إرادة التحاكم إلى الطاغوت فهو كاره ولكنه حاكم إلى الشرع ، فعلم أن الشرع يحكم له فجعل الحكم الذي عند القانوني وسيلة للوصول إلى الحق الذي ثبت له شرعا.
الحال الرابعة :حال الدولة التي تحكم بغير الشرع ، تحكم بالقانون، فالدول التي تحكم بالقانون - أيضا - فقد فصل الشيخ محمد بن إبراهيم الكلام في هذه المسألة في فتاويه، وخلاصة قوله:’’أن الكفر بالقانون فرض، وأن تحكيم القانون في الدول إن كان خفيا نادرا فالأرض أرض إسلام’’، يعني: أن الدولة دولة إسلام، فيكون له حكم أمثاله من الشركيات التي تكون في الأرض، قال : ’’وإن كان ظاهرا فاشيا، فالدار دار كفر’’ يعني : الدولة دولة كفر، فيصبح الحكم على الدولة راجع إلى هذا التفصيل:
إن كان تحكيم القانون قليلا وخفيا، فهذه لها حكم أمثالها من الدول الظالمة، أو التي لها ذنوب وعصيان ووجود بعض الشركيات في دولتها. وإن كان ظاهرا فاشيا - والظهور يضاده الخفاء، والفشو يضاده القلة- قال : فالدار دار كفر، وهذا التفصيل هو الصحيح؛ لأننا نعلم أنه صار في دول الإسلام تشريعات غير موافقة لشرع الله - جل وعلا - والعلماء في الأزمنة الأولى ما حكموا على الدار بأنها دار كفر ولا على تلك الدول بأنها دول كفرية إلا لأن الشرك له أثر في الدار، وإذا قلنا : الدار فنعني الدولة، فمتى كان التحاكم إلى الطاغوت ظاهرا فاشيا فالدولة دولة كفر، ومتى كان قليلا خفيا أو كان قليلا ظاهرا وينكر، فالأرض أرض إسلام، والدار دار إسلام، والدولة دولة إسلام.

فهذا التفصيل يتضح به هذا المقام وبه تجمع بين كلام العلماء ولا تجد مضادة بين قول عالم وعالم ولا تشتبه المسألة - إن شاء الله تعالى .

مقتضب من شرحه-حفظه الله- على كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- باب قوله تعالى’’ ألم ترى إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك...} الآيات.

ليست هناك تعليقات: