الثلاثاء، مارس 04، 2014




قول الله عز وجل:{ لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ}



قال الشيخ صال آل الشيخ-حفظه الله- في شرحه على العقيدة الواسطية:
وذلك أن قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} (شيء) اسم ليس .
سبك الكلام ليس شيء كمثله .
الكاف هنا هذه ما نوعها ؟ معنى الآية يتوقف على فهم معنى الكاف هنا .

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ، الكاف هذه لأهل العلم فيها وجهان :
- قال طائفة من أهل العلم إن الكاف هنا صلة وهي الزائدة لإفادة تكرير الكلام والجملة مرتين أو أكثر ، واللغة العربية فيها زيادة الحرف لمزيد تأكيد الكلام كما قال جل وعلا {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} يعني فبرحمة من الله لنت لهم (ما) هنا مزيدة لتوكيد الكلام، ما معنى التوكيد هنا؟
تكرار الجملة لتعظيم شأنها ، قال فبرحمة من الله لنت لهم فبرحمة من الله لنت لهم .
هنا إذن على هذا تكون الكاف صلة يعني زائدة لتأكيد المعنى ، قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ؛يعني ليس مثله شيء ليس مثله شيء ليس مثله شيء وهو السميع البصير .

فالعربي يفهم من هذه الصلة ومجيء الكاف هنا أن الجملة كررت عليه أكثر من مرة وهذا من أسرار اللسان العربي .
قال: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة (لا)هذه صلة ، معنى الكلام أقسم بيوم القيامة أقسم بيوم القيامة أقسم بيوم القيامة{وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}وأقسم بالنفس اللوامة أقسم بالنفس وهكذا ، فإذن مزيد الحرف لمزيد التأكيد ، فقوله هنا{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} هذه للتأكيد ومجيء الكاف للتأكيد بخصوصها هذا معروف في اللغة ومنه قول الشاعر :
لو كان في قلبي كقدر قلامة      حبا لغيرك ما أتتك رسائلي
وهنا قال إذن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فصار المعنى ليس مثله شيء ليس مثله شيء ليس مثله شيء وهو السميع البصير ، وهذا المعنى وهذا الوجه هو الصحيح وهو الراجح عند العلماء المحققين .

- الوجه الثاني أن تكون الكاف بمعنى مثل ، فيكون المعنى ليس مثلَ مثلِه شيء ـ ما فيها تأكيد ـ وهو السميع البصير .
ونفي مثل المثل فائدته استحالة وجود المثل وليس كما ظُن أن فيه إثبات لوجود المثل .
يعني صُرف النظر عن المثل إلى مثل المثل إبعادا لوجود المثل .
لكن هذا فيه نوع ضعف مع أن كثيرا من العلماء قال به ، ومجيء الكاف بمعنى مثل كثير ومنه قوله جل وعلا في سورة البقرة {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}لما عطف (أشد) على موضع الكاف دلنا على أن الكاف ليست بحرف بل هي اسم لأن الاسم لا يعطف على حرف .
قال هنا (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)
هذا إثبات ، إثبات مفصل فصل الاثبات : قال السَّمِيعُ البَصِيرُ.
والسميع اسم من أسماء الله ، البصير اسم من أسماء الله .
وأسماء الله جل وعلا تدل على ذاته دلالة الاسم على المسمى على الذات وفيها الصفة .
السميع اسم لمن كان ذا سمع ، والبصير اسم لمن كان ذا بصر .
ففيها إثبات السمع والبصر لله جل وعلا .

ما فائدة إثبات السمع والبصر هنا ؟
قال العلماء في هذا حكمة وفائدة عظيمة وهو أنه نفى أولا بقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ثم أثبت هذين الاسمين لله المتضمنين لصفتي السمع والبصر ، وسبب ذلك أن صفة السمع والبصر من الصفات التي تشترك فيها أكثر المخلوقات الحية ذات الروح مهما صغر من فيه حياة من ذوي الأرواح أو عظم فعنده سمع وبصر ، فانظروا إلى النملة عندها سمع وبصر{يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} عندها سمع سمعت وتبصر طريها تبصر أمرها ، البعوضة كذلك لها سمع ولها بصر ، الدواب لها سمع ولها بصر ، الانسان له سمع وله بصر ، فصفتا السمع والبصر من أكثر الصفات اشتراكا بين المخلوقات الحية ذوات الأرواح .
فإذا كان ثم توهم في المماثلة فليكن توهم للماثلة في اتصاف هذه المخلوقات بصفة السمع والبصر .

فهل بصرك أيها الإنسان وسمعك من مثل بصر النملة وسمعها ؟ لا ، أن ثم قدرا مشتركا في السمع بين البعوض والإنسان وفي البصر بين البعوض والإنسان لكن تختلف كيفيته تختلف حقيقته يختلف عظمه وتعلقه ، كذلك السمع الإنسان يسمع من مسافة بعيدة المخلوق الصغير الذباب والبعوض هذا يسمع لأقل وهكذا فإذا كان كذلك دل على أن إثبات السمع والبصر في المخلوقات هو إثبات وجود لا إثبات مساواة وهذا متصل بقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} ، فإذن إثبات هاتين الصفتين لله التي عظم اشتراك المخلوقات مع الله جل وعلا في اسم الصفة وفي بعض معناها أن هذا ليس من جهة التمثيل في شيء .
ففيه أعظم رد على الذين توهموا أن إثبات الصفات فيه تمثيل وفيه تجسيم.

*هنا تنبيه : وهو أن التمثيل يختلف عن التشبيه ، التمثيل أن يُجعل الشيءُ مماثلا للشيء في صفة كاملة أو في الصفات كلها ، نقول : محمد مثل خالد إذا كان محمد مثل خالد في جميع الصفات أو في صفة كاملة ، محمد مثل خالد في الكرم يعني يماثله تماما .
أما المشابهة فهي اشتراك في بعض الصفة أو في بعض الصفات .
قال بعض العلماء أو في كل الصفات ، يعني جعلوا التشبيه أوسع من التمثيل .
يعني بعض العلماء جعل التمثيل أوسع من التشبيه .
ولهذا فإن نفي التشبيه ، إذا نُفِي في نصوص العلماء أهل السنة والجماعة فإنما يعنون به التشبيه الذي هو التمثيل .
المماثلة في صفة كاملة أو المماثلة في الصفات .

أما التشبيه الذي هو اشتراك في جزء المعنى فإن هذا ليس مرادا لهم لأنهم يثبتون الاشتراك ، فالله جل وعلا له سمع وللمخلوق سمع وهناك اشتراك في اللفظ وفي جزء المعنى .
فالسمع معناه معروف في اللغة لكن من حيث تعلقه بالمخلوق يختلف عن جهة تعلقه بالخالق .

ولهذا فإننا نقول في الصفات هنا كما قال ومن غير تكييف ولا تمثيل وإذا قيل من غير تشبيه فإنهم يريدون بالتشبيه التمثيل وهذا مستعمل عند العلماء أنهم ينفون التشبيه ويريدون به التمثيل .

ليست هناك تعليقات: